انفاسها الاخيرة

تمطر السماء .. فلسفتها عريقة .. تغسل ملامح الاشياء .. إلا ضمائرنا بقيت سوداء .. سوداء .. احلك من سواد العين البدوية .. ما عدنا نحن .. نحن ، ما عاد الدم يثور كإعصار لا يمكن ان يصمت لظلم او قهر او جور في بلاد هي لله مقدسة خالصة لعبادته ..

امشي والألم يكفن جرحي الصامت في اسواق القدس العتيقة .. امشي ولست ادري هل ابكي .. ؟ ارى عيون القدس في كل شيء باكية رغم كل شيء تحمل الكبرياء في ثنايا دمعها المتأرجح في زمن التيه والضعف ..

ادخل ساحات الأقصى فهو من بقي من هذا الوطن الجريح وحيداً لم يدنس .. فكنت اشعر بان هناك مكان واحد في هذه البلاد لم ينجس وان حاولوا دخوله .. يهب كل الشعب لنجدته .. صغاراً شباباً شيوخاً نساء .. يصرخ الكون كله .. لا لتدنيس المسجد الاقصى .. هذا المكان الغالي .. الذي افهمه ويفهمني .. دون الجميع .. الجأ اليه في وحدتي فيأنسها .. وبفرحتي فيشاركني اياها..

ها انا امشي في ساحاته .. لكن هذه المرة جاء الألم صاعق .. فأنفجر في البكاء .. ليدوي صوتي في ارجاء المكان .. سألوني ما بك .. كاد صوتي يختنق .. ماذا اقول ؟ ماذا اجيب ؟ كلا .. كلا .. لا اريد .. أليس هو الغالي .. اليس هو الحبيب .. هو من احتضن دماء الشهداء الابرار .. هو من حارب كل مغتصب غدّار .. كيف لكم .. ان تسألوني وكأن الامر لا يعنيكم ..

امشي .. والليل كفّن بين ذراعيه شعاع النهار .. امشي .. لا ادري .. اشعر ببلاطه المقدس يصرخ اغيثوني .. نجّس الاعداء تاريخي .. اسمعه يستغيث فلا استطيع سوى ان امشي .. وأبكي .. وأبكي .. وما فائدة البكاء .. وددت لو ان الله وضع بي قلب صلاح الدين .. لأرجحت عجلة الظلم والكفر الى حيث يجب ان تكون ..

تتسائلون ما ابكاني .. ما الذي جعل هذا الصوت المكلوم يدوي ليسمعه في الحقيقة لا احد .. وان سمعه الجميع .. !! هل حقاً تعنيكم الحقيقة .. وتهمكم دموعي .. !! ام هو الفضول العربي وبعدها ترجع السكينة لنفوسكم المسكينة .. !! سأقول هناك وجدت الالاف من الأجانب .. يأخذون الصور التذكارية .. وجدتهم يتنزهون .. يشربون .. يأكلون .. لربما لمحت احدهم يتبادل القبل .. لا تسألون اين فقد قلت لكم في المسجد الاقصى .. نعم في المسجد الاقصى .. ها هو يتحول الى متنزه عام .. كان بودي ان تتفجر شراييني .. كلها ..

صليت ركعتين .. ثم عدت .. وعرفت ان فلسطين لفظت انفاسها الاخيرة ..