لحظة حب لن تتكرر
ممدد على سرير الاستشفاء ,يلفه الشاش الأبيض ,أكياس المصل من حوله كأنها أشباح الموت التي فرضتها (درا كولية) الصهاينة الغاصبين..
قناديل الدموع المنهمرة من عينيه تختصر كل عذاباته المنسية في وجدان العالم ,تراه محدقا بصورة بين يديه لخطيبته ,ابنة السبعة عشر ربيعا التي ستصبح عروسه بعد أيام لو لم تخطفها عناقيد القتل (البيريزيه).
وفي غمرة أحزانه النوريسه ,أخذت الذكرى تتمثل حاضرا ,وتتشكل حوارات في سيمفونية جديدة و كأنه لا زال يولد مع كل هنيهة تنصهر معه المحبة وعذاباتها ,الحب و أنا شيده ,المشاعر وأهازيجها ,الارواح وتصفيقها,الأبديه ولا نهاياتها,الكون و أسراره,والنفس و آمالها.
في كل هذا التمرد ,والشرود ,في كل تلك العذابات,يسكر بلذة النسيان لحظات ويعود ليتذكر آخر ما نبست به شفتا حبيبته قبل أن يستحيل جسدها كتلة سوداء متفحمة بعدما اصابتها عناقيد الحقد الصهيونية لتتجرد روحها أمام جدار السويداء المرصع بالأمل الخافت ,تنظر اليه لتقول له وكأنها
تشعر بدنو يد الموت الخفية منها :لا تتأخري يا حبيبتي لقد دانت ساعة الرحيل.
يتذكر جوابه لها عندما أجابها بدمعتين حزينتين عن سؤالها ,تسله عدم الحزن على رحيلها لو استشهدت برصاص الغدر اليهودي و كأنها تعلم مسبقا أن الأباتشي قد أعطتها التأشيرة لتسلفر بجواز سفر اسرائيلي على متن صواريخ ال((HILL FIRE)) وكأنها تعلم أنها ستسافر دون طلب السفر سترحل دون أمنية الرحيل الى وطن بلا عنوان ,ولم تحسب الزمان.
يتذكر تلك النظرات التائهة الحانية,اذ تاهت لتتركه عقلا تواها مكدودا ,مطبق الشفاه لأن لا كلام لديه تقوله شفتاه ,مركزا عينيه_على سمات وجهها الهادىء_اللتان بكتا مرتين ..مرة أبكاهما الحب والحياة عندما أحب حبه الأوحد,ومرة أبكتهما العملية الجراحية الاسرائيلية عندما شاءت آلة دمارها الهمجية لتخلف قلبا وشعورا دائمي الترحال بين براري الوحدة الموحشة وبين وديان الألم العميقة.
كل هذه الذكريات وكل هذا الخيال مكفن بسكون تشوبه سقسقة الدموع وغمغمة الحنجرة ...سكون لانقلب ضجيجا صارخا لو يسمع عويل القلب ,لو أن اضطراب العقل يسجل , لو أن آلام الانسانية تتكلم,لو أن ضمير العالم يستيقظ.
يتذكر هذا الحدث العظيم ...وبعدما أغرورقت عيناه بالدموع عاد الى سكرة النسيان لتعانق روحه
روح حبيبته .
نعم هذا هو بيريز كاتب الرواية ,يعلن في سيناريو الغضب انه لن يترك حبيبتا يسعد بحبه ولا أما
بولدها ولا عجوزا بأرضه وأنه آن الأوان لضرب الطفولة.
الستارة لم تسدل بعد ويبقى المشهد ماثلا أمام العالم المتفرج , وعناقيد الغضب تتساقط من دالية
أم الفساد ,على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ والرواية لا تزال في فصولها الاولى.
الخميس أبريل 08, 2010 7:18 am
