بين يدي هذه الكلمات لابد من التأكيد على حقيقة هامة ربما تغيب عن أذهان كثيرة، وينشأ عن إغفالها خلط كبير وزلل عظيم؛ هذه الحقيقة هي: أن الجهاد في سبيل الله طاعة عظيمة، شرعت لأهداف وغايات, وليست لمجرد إزهاق النفوس وإراقة الدماء.
ومن أعظم هذه الأهداف و تلك الغايات هو هداية الناس إلى الحق و تعبيد الناس لربهم, ورفع الفتنة عن المظلومين, ومن ثم فإن هداية الخلائق مقدمة على الجهاد, إذ إن الغاية مقدمة على الوسيلة, فإذا تعارضت الغايةُ مع الوسيلة قُدِّمت الغاية.
فالغايات والنظر إليها, والعناية بها, ورعايتها, هي من فقه العلماء, ومن بصيرة الأئمة في الدين, وإنما شُرع الجهاد لدفع الفتنة, فهذا هو الهدف الأسمى للجهاد, فإذا أصبح الجهادُ نفسُه مُحْدِثًا للفتنة في الدين, ومانعًا من تعبيد الناس لرب العالمين, وصادًّا للناس عن دعوة الحق, لم يحقق بذلك مقصودَه الأسمى.
وبذلك تكون هداية الخلائق, وتعبيد الناس لربهم هي الأصل, والجهاد فرع عليها, فإذا تضاد الأصل مع الفرع قدمنا الأصل على الفرع, ولابد أن يعلم الجميع أن هداية الخلائق هي مصلحة في حد ذاتها, وإخراج الناس من المعاصي إلى الطاعات, ومن النار إلى الجنة, هو غاية في حد ذاتها كذلك.